كريمة (السودان) 26-9-2023 وفا- تبعد بساتين النخيل الخضراء في بلدة كريمة بالسودان، مسافة طويلة عن ساحات القتال، لكن آثار الحرب حاضرة للغاية، ما يجعل المزارعين يعانون للعثور على مشترين لمحصول هذا العام.
انهارت الأسعار في صناعة التمور، أحدث قطاع اقتصادي أصبح ضحية للحرب في الدولة الواقعة شمال شرق إفريقيا.
في كل خريف، وحتى شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، كان مزارعو التمور في شمال السودان يجمعون محاصيلهم من أشجار النخيل، لتأمين لقمة العيش لأشهر قادمة.
لكن المزارع الفاتح البدوي (54 عاما) قال إنه بعد خمسة أشهر من الحرب في السودان، دمرت البنية التحتية الاقتصادية للبلاد و"المشترون خائفون".
ويعدّ السودان سابع أكبر منتج للتمور في العالم، حيث ينتج أكثر من 460 ألف طن سنويًا، وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
وفي كريمة، وهي بلدة تقع على نهر النيل على بعد حوالي 340 كيلومترا شمال العاصمة الخرطوم، تعج البساتين بالشباب الذين يتسلّقون أشجار النخيل، ويسقطون عناقيد الفاكهة البنية، التي يحبها السودانيون، على أغطية بيضاء.
يواجه المزارعون الذين يعتمدون على صناعة التمور تحديات هائلة في نقل منتجاتهم عبر البلاد، كما هو الحال مع العاملين في القطاعات الزراعية الأخرى.
وإلى جانب انعدام الأمن، أدى نقص الوقود في زمن الحرب إلى إعاقة القدرة على نقل البضائع والمنتجات.
قبل الحرب، كانت كل التجارة تقريبًا في السودان شديد المركزية تمر عبر الخرطوم. لكن الغارات الجوية المستمرة والقصف المدفعي ومعارك الشوارع تركت العاصمة محظورة إلى حد كبير أمام التجار الذين يخشون على سلامتهم.
الأرض تركت بوراً
في السودان، كانت التمور والمنتجات الزراعية الأخرى أساسًا لاقتصاد ما قبل الحرب. ويوظف قطاع الزراعة أكثر من 80 بالمئة من القوى العاملة، ويمثل 35 إلى 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا للأمم المتحدة.
ولكن الآن، في معظم أنحاء البلاد، بما في ذلك ولاية القضارف الواقعة جنوب شرق البلاد، والمعروفة باسم سلّة غذاء السودان، تُركت الأرض بوراً.
ولا يستطيع المزارعون أصحاب الحيازات الصغيرة الحصول على التمويل، ولا يملك التجار ضمانات بوجود أسواق قابلة للحياة، وقد استسلمت الشركات ذات الثقل في الصناعة.
وفي شهر أيار/ مايو، علقت مجموعة الحجار -إحدى أكبر الشركات التي توظف القطاع الزراعي- عملياتها وسرحت آلاف العمال.
وقال الجرّاح أحمد علي (45 عاما) وهو مزارع آخر، إن قطاع التمور في كريمة كان بحاجة ماسة إلى "توجيه وسياسة زراعية"، فضلا عن الموارد اللازمة للحد من ارتفاع معدلات الهدر.
أما الآن فقد تفاقمت التحديات.
ومنذ 15 نيسان/ أبريل، أدى القتال إلى تمزيق السودان، وقتل نحو 7500 شخص، وفقًا لتقدير متحفظ من مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها.
ونزح أكثر من 4.2 مليون شخص، معظمهم من منطقة الخرطوم، داخل السودان، وفرّ 1.1 مليون آخرين من البلاد، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
والعمال الزراعيون من بين أولئك الذين ينضمون إلى النزوح الجماعي، وبينما قد يجدون الأمان النسبي في شمال السودان، فإن قدرتهم على كسب ما يكفي للبقاء على قيد الحياة في سوق التمور المنهارة، أمر مشكوك فيه.
ومن بينهم الشاب حذيفة يوسف، أخصائي الأشعة، الذي غادر الخرطوم للانضمام إلى عائلته في كريمة، حيث يساعد في حصاد التمر.
وقال يوسف: "كنت ذاهباً إلى الهند للحصول على درجة الماجستير"، لكن هذا الهدف أصبح معلقاً الآن.
ولم يفقد المزارع البدوي الأمل. وقال "نحاول العثور على أسواق جديدة، رغم أنها ستكون أكثر تكلفة. ونأمل أن يتحسّن السعر، وأن تسير الأمور على ما يرام".