الرئيسية آراء
تاريخ النشر: 29/04/2024 11:37 ص

انتفاضة الجامعات الأمريكية

 

بقلم: د. رمزي عودة / الأمين العام للحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي

 

بدأ حراك غير مسبوق للطلبة المحتجين في جامعة كولومبيا منذ أكثر من أسبوعين، حيث طالب المحتجون بوقف استثمارات الجامعة في إسرائيل ووقف الحرب والإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وقوبلت هذه الاحتجاجات برد فعل قاسٍ من قبل إدارة الجامعة التي نعتت الطلبة بالإرهاب وبث الكراهية ومعاداة السامية، وفصلت أكثر من 100 طالب. كما أنها طالبت الشرطة بفك اعتصام الطلبة المحتجين واعتقالهم. وأدت ردة الفعل هذه إلى توسع الاحتجاجات وإيقاف العملية التعليمية في جامعة كولومبيا، كما تسارع انضمام الكادر التعليمي والإداري لمخيمات الاعتصام رافضين سياسات الجامعة غير الليبرالية. ليس هذا فقط، بل انتقلت حركة الاحتجاجات إلى أكثر من 45 جامعة ومعهد عالي في الولايات المتحدة الأميركية، ومنها جامعات هارفرد وجورج واشنطن وبيل وكاليفورنيا وغيرها من الجامعات الكبيرة والمهمة في الولايات المتحدة. كما أن حركة الاحتجاجات الطلابية امتدت إلى الجامعات الأوروبية سواء في فرنسا أو ألمانيا أو بريطانيا. وبتنا جميعا أمام انتفاضة حقيقية في العالم أجمع، إنها باختصار انتفاضة الجامعات ضد الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.

لقد أشرت في الأشهر السابقة وفي أكثر من مقال ولقاء تلفزيوني إلى أن الإدارة الأميركية تتعامل مع حرب غزة في إطار مستويين: المستوى الاستراتيجي ويقضي بدعم إسرائيل اللامحدود في عدوانها على قطاع غزة، وهذا ما يفسر منح أكثر من 17 مليار دولار لإسرائيل كمساعدات عسكرية في هذه الحرب، إضافة إلى توفير غطاء سياسي يحمي إسرائيل من المساءلة في المنظمات الدولية. أما المستوى الثاني فهو مستوى السياسات والتكتيكات التي تضغط على إسرائيل للحد من قتل المدنيين ووقف سياسة التجويع والتوصل إلى صفقة أو هدنة. ولقد أوضحت في هذه المقالات أن السياستين ليستا متناقضتين كما يبدو للوهلة الأولى، حيث أن الإدارة الأميركية في مستوى السياسات التكتيكية تسعى لتسويق منظومة قيمها الليبرالية أمام شعبها أولاً وأمام العالم ثانياً، وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار الداخلي وحشد المناصرين في العملية الانتخابية القادمة، إضافة طبعا إلى منع تهديد مصالحها في العالم. وبالفعل، فإن ما يحدث اليوم في الجامعات الأميركية هو إثبات حقيقي للفرضية السابقة، حيث تشير هذه الانتفاضة إلى خيبة أمل الشارع الأميريكي نتيجة لفشل الإدارة الأميركية في تحقيق المستوى الثاني من سياساتها التكتيكية، وبالضرورة فشل هذه الإدارة بإقناع مواطنيها بأنها جادة في وقف العدوان ووقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المدنيون الفلسطينيون في قطاع غزة منذ أكثر من 6 شهور. ليس هذا فقط، ولكن هذا الفشل إنعكس سلبا على قيام الإدارة الأميركية مؤخرا بتفضيل المستوى الأول في سياساتها الخاصة بإسرائيل في عدوانها في القطاع، بمعنى الانسياق أكثر إلى جانب دعم إسرائيل عسكريا وسياسيا وتفضيل الخيار العسكري لإنهاء الصراع!. وهذا بالضبط ما أدى إلى انتفاضة حقيقية في الجامعات الأميركية، حيث لم يعد بإمكان إدارة بايدن استيعاب الرأي العام المحلي الضاغط لديها في ظل إستمرار قتل المدنيين الفلسطينيين وتجويعهم والتهديد المستمر بإجتياح رفح. والنتيجة، أن إدارة بايدن فقدت مصداقيتها أمام أهم شريحة اجتماعية في مجتمعها وهي الشريحة الأكاديمية المثقفة. وبالضرورة، من المتوقع أن تتسع موجة هذه الاحتجاجات الطلابية وتؤدي إلى ضغط أكبر على إدارة بايدن لوقف الحرب. لاسيما أن هذه الاحتجاجات تكلف الاقتصاد الوطني الأميركي أكثر من 300 مليون دولار يومياً، واذا ما خرجت هذه الاحتجاجات خارج الحرم الجامعي فانها ستؤدي إلى توقف عجلة الاقتصاد والتنمية في الدولة الأمريكية.

في الواقع، إن حكومة نتنياهو الفاشية ورطت إدارة بايدن أمام شعبها، حيث راوغ نتنياهو كثيرا وأطال فترة الحرب بشكل مقصود، وقتل الآلاف من المدنيين وهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وقد حذرت حكومة بايدن نتنياهو من سياسته هذه، ولكنها لم تستطع الضغط عليه بالشكل الكافي لوقف العدوان. وفي السياق، فقد دفعت هذه الإدارة ثمن هذه السياسة العدوانية والعنصرية لحكومة نتنياهو وما زالت تدفع الثمن. لهذا، فلقد أن الأوان لإدارة بايدن أن تتخذ خطوات عملية وسريعة  للضغط على إسرائيل لوقف العدوان نهائياً حتى تستطيع ضمان وقف انتفاضة الجامعات في أراضيها.

ـــــــ

 

مواضيع ذات صلة

اقرأ أيضا